المساءلة ليست مجرد مفهوم إداري معقد، بل هي ركيزة أساسية لضمان الشفافية وتحقيق الأثر الإيجابي المستدام. في سوريا، حيث تعدد الأزمات وتنوع المساهمات الخيرية، أصبحت المساءلة ضرورة حتمية لضمان نجاح المشاريع الإنسانية وتعزيز ثقة المتبرعين والمجتمعات المستفيدة على حد سواء. غياب المساءلة يؤدي إلى آثار سلبية قد تعرقل سير العمل الإنساني وتفقده مصداقيته.
فعندما تغيب المساءلة عن المشاريع الإنسانية، يمكن أن يحدث العديد من المشاكل التي تؤثر على المستفيدين والمتبرعين على حد سواء. من أبرز هذه الآثار:
1. إهدار الموارد: قد يؤدي غياب التدقيق إلى إساءة استخدام الموارد المخصصة للمشاريع، سواء عبر الفساد أو سوء الإدارة. هذا يعني أن الأموال والمساعدات قد لا تصل إلى المستفيدين الذين هم في أمس الحاجة إليها.
2. فقدان الثقة: غياب المساءلة يؤدي إلى فقدان ثقة المتبرعين بالجمعيات الخيرية. عندما لا يشعر المتبرعون بأن أموالهم تُستخدم بطريقة شفافة ومسؤولة، سيؤدي ذلك إلى تقليص التبرعات بشكل كبير، ما يؤثر على استمرارية المشاريع.
3. تدهور الأثر الاجتماعي: العمل الإنساني الذي يفتقر إلى المساءلة يفتقد للتأثير المستدام، حيث يمكن أن تفشل المشاريع في تحقيق أهدافها، مما يؤدي إلى عدم تحقيق التحسن المأمول في حياة المستفيدين.
يمكننا القول: المساءلة الجيدة هي مفتاح بناء ثقة المتبرعين. عندما يتم تقديم تقارير شفافة توضح كيفية استخدام الأموال، وأين ذهبت الموارد، وما هو الأثر الناتج عن هذه المشاريع، فإن ذلك يعزز ثقة المتبرعين ويشجعهم على الاستمرار في تقديم الدعم. المتبرعون يفضلون الشفافية والمحاسبة لأنها تضمن لهم أن أموالهم تُستخدم في تحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة.
في سوريا، حيث تتعدد الجمعيات المحلية وتتنوع التحديات، فإن الجمعيات التي تلتزم بالمساءلة تبني سمعة قوية وتجذب المزيد من المانحين. ومن أجل إنشاء نظام مساءلة فعال في جمعية محلية صغيرة، يجب علينا أخذ الأمور التالية بعين الاعتبار:
1. وضع معايير واضحة: يجب أن تبدأ الجمعية بوضع معايير شفافة لتحديد الأهداف، الميزانية، والنتائج المتوقعة لكل مشروع. هذه المعايير تساعد في توجيه العمل وتحديد الأطر الزمنية وآليات التنفيذ.
2. تعيين فرق للرصد والتقييم: حتى في الجمعيات الصغيرة، يمكن تشكيل فرق صغيرة تراقب تنفيذ المشاريع وتقيم نتائجها. هذا الفريق يكون مسؤولاً عن جمع البيانات وتحليلها بشكل دوري.
3. إشراك المجتمع المحلي: من أفضل الطرق لضمان المساءلة هو إشراك المستفيدين المحليين في عمليات التقييم. يمكن الاستماع إلى آرائهم وتقديم آليات لتلقي الشكاوى والملاحظات لضمان تحسين الأداء.
لتفعيل نظام مساءلة في الجمعيات الخيرية الصغيرة، نحتاج إلى مجموعة من الأدوات والموارد، منها:
1. نظام تقارير دوري: يجب إعداد نظام تقارير دورية يظهر كيفية استخدام الموارد المالية والمادية، ويوضح تقدم المشاريع وأي تحديات تواجه التنفيذ.
2. آلية تلقي الشكاوى: توفير قنوات واضحة وآمنة للمستفيدين لتقديم شكاوى أو ملاحظات حول أداء الجمعية أو المشاريع. يمكن أن تكون هذه القنوات عبر الهواتف، البريد الإلكتروني، أو حتى صناديق شكاوى في المجتمعات المحلية.
3. تدريب الموظفين: يجب تدريب الموظفين على أهمية الشفافية والمساءلة، وكيفية التعامل مع الموارد وإدارة المشاريع بفعالية. التدريب يساعد في بناء فريق متمكن قادر على التعامل مع التحديات وضمان جودة التنفيذ.
أحد الأمثلة الناجحة على أنظمة المساءلة المجتمعية هي برامج المساءلة التشاركية، حيث يتم إشراك أفراد المجتمع في عملية الرقابة والتقييم. على سبيل المثال، يمكن للمجتمعات المتضررة في سوريا أن تُنشئ لجاناً محلية تشارك في مراقبة تنفيذ المشاريع الخيرية وتقديم تقارير دورية للجمعيات حول الأداء والتحديات.
هناك أيضاً أنظمة مثل بطاقات التقييم المجتمعية، حيث يقوم المستفيدون بتقييم الخدمات التي يتلقونها، مما يعزز من مشاركة المجتمع ويساعد في كشف نقاط الضعف وتحسين العمل.
وعلينا أن نكون على يقين بأن الإعلام يلعب دوراً حاسماً في تعزيز المساءلة. من خلال تسليط الضوء على النجاحات والإخفاقات في العمل الإنساني، يمكن للإعلام أن يكون أداة ضغط على الجمعيات لتكون أكثر شفافية واستجابة للمجتمع. كما يساعد الإعلام في تعزيز وعي المتبرعين والمستفيدين بحقوقهم وكيفية مراقبة المشاريع التي يتم تنفيذها في مجتمعاتهم.
الإعلام الاجتماعي، وخاصة في سياق الأزمات السورية، أصبح قناة رئيسية لنشر المعلومات حول أداء الجمعيات. من خلال نشر التقارير الدورية وتوثيق نتائج المشاريع عبر منصات مثل فيسبوك، يمكن للجمعيات تعزيز الشفافية وزيادة ثقة الجمهور والمتبرعين.
وفي الختام، المساءلة هي العمود الفقري لضمان استدامة ونجاح العمل الإنساني. في سوريا، حيث تعاني المجتمعات من أزمات مستمرة، فإن بناء نظام مساءلة قوي وفعال هو السبيل الوحيد للحفاظ على ثقة المتبرعين وتحقيق أثر إيجابي دائم في حياة المستفيدين. بالشفافية والالتزام بمبادئ المساءلة، يمكننا بناء مجتمع إنساني قادر على مواجهة التحديات وتحقيق التغيير الإيجابي المستدام.
رائد حمد
21-01-2025